التثاؤب ظاهرة لا إرادية لأن المتثائب لا يستطيع دفعه بعد الشروع فيه وإن أمكنه تعديله ، ويتثاءب الطفل في السنة الأولى ما بين 25 و30 مرة في اليوم ثم يقل التثاؤب مع التقدم في السن ليصل عند الشيوخ إلى 10 مرات في اليوم في المعدل، ويختلف الأشخاص في التثاؤب كما يختلفون في النوم . ويحصل التثاؤب غالبا عندما يقل الانتباه في مناسبات مختلفة مثل :
• الرغبة الشديدة في النوم
• أثناء عملية التمطي عند الاستيقاظ
• عند إنجاز مهام تتكرر ولا تتنوع
• عند الصوم أو الإسراف في الأكل
• عند الإحساس بالحرارة أو تواجد أشخاص كثيرين في مكان محدود.
وتستغرق عملية التثاؤب ما بين 5 إلى 10 ثوان وتتم في ثلاث مراحل يحس بعدها الشخص بالراحة وهي :
1. مرحلة الشهيق : تتميز بتقلص عضلات العنق والفك والحجاب والذي ينتج عنه فتح الفم والمسالك التنفسية الكبرى وظهور الأسنان مما يمكن من دخول كمية كبيرة من الهواء ومن تم حدوث شهيق عميق، وينقص السمع لمدة قليلة بسبب إغلاق قناة اسطاتيوس التي تربط بين الأذن الوسطى والبلعوم ، كما تتقارب الجفون و تنزل أحيانا دمعة على الخد ، وقد يرافق هذه المرحلة التمطي الناتج عن تمدد العضلات و يتكور الظهر أو يتقعر حسب الأنواع .
2. مرحلة القمة : تتميز بتوقف التنفس لمدة قصيرة يكون خلالها الصدر مملوءا بالهواء .
3. مرحلة الزفير: يتم خلالها إخراج الهواء الذي يصاحبه غالبا الصوت الذي يميز التثاؤب و يجب على المسلم بذل ما في وسعه لتفادي هذا الصوت ما أمكن ، وخلال هذه المرحلة تعود الأمور إلى نصابها حيث يغلق الفم وتفتح العينان وتسترخي العضلات .
فأثناء النوم المفارق تسترخي عضلات الجسم ومن جملتها العضلات التي تتدخل في التنفس ، مما يؤدي إلى ضيق المسالك التنفسية العلوية ، لكن بعد الاستيقاظ يقوم الجسم بمجموعة من التمددات والتثاؤبات التي تمكن من توسيع هذه المسالك و إعادة النشاط لعضلات الجسم . وعندما يحس الجسم بالتعب أو الملل فإنه يرسل إشارات إلى الدماغ الذي يحرك آليات التثاؤب الذي يتدخل لرفع الانتباه ، لكن إذا كان الجسم في حاجة ماسة للراحة والنوم فإن التثاؤب لا يمكنه من الانتباه.
وتوصل بعض علماء البيولوجيا في 1980 إلى أن التثاؤب مرتبط بنظام الأكل ، عندما لاحظوا أن فئران التجارب التي عوّدوها على وجبة يومية في وقت محدد أصبحت تتثاءب أربع إلى عشر مرات في الساعة التي تسبق الوجبة بعد مرور ثلاثة أسابيع ، وبعدما أخضعوها للصوم لمدة ثلاثة أيام لم تعد تتثاءب في ذلك الوقت . وتوصل علماء آخرون في 1998 إلى أهمية هرمونات دماغية تدعي هيبوكريتين في التثاؤب وقد حقن الياباني إطوكو صاطوزوكي هذه الهرمونات لفئران وتوصل إلى أنها تتثاءب ويزداد انتباهها . وقد أثبتت الأبحاث العلمية خطأ الفرضية التي تدعي أن عملية التثاؤب يقوم بها الجسم لتزويد المخ بالأوكسجين ، حيث عمد الباحثون إلى قياس نسبة الأوكسجين وثاني أوكسيد الكربون في الدم قبل وبعد التثاؤب ، ولاحظوا أن هذه النسبة لا يطرأ عليها أي تغيير.
عدوى التثاؤب
عادة ما يكون الشخص في مجلس ثم يجد نفسه مرغما على التثاؤب بعدما تثاءب شخص آخر يجلس بجانبه أو في نفس المجلس ، بل وتنتشر موجة التثاؤب أحيانا عند عدة أشخاص في المجلس الواحد خصوصا عندما يقل انتباههم، ففي هذه الحال يمكننا أن نتكلم عن عدوى التثاؤب بل والأولى أن نقول جواب أو محاكاة أو تقليد التثاؤب . وفي حين أن التثاؤب ظاهرة مشتركة بين مجموعة من الحيوانات ، فإن ظاهرة العدوى أو التقليد خاصة بالإنسان، وقد قام العلماء بالعديد من التجارب لمعرفة آلية هذا التقليد نذكر من بينها :
• قام الطبيب النفسي روبير بوفان بتجربة عرض خلالها فيلما يتكرر خلاله التثاؤب ثلاثين مرة وشاهده متطوعون وقع معظمهم في مصيدة التثاؤب سواء بعد بضع ثوان أو بعد بضع دقائق ، لكنه عندما عوض أشخاص الفيلم برسوم متحركة لم يتثاءب هؤلاء المتطوعون.
• وبرهنت تجارب ستيفان بلاطيك في 2003 على أن الشخص يكون أكثر تقليدا للتثاؤب كلما كان أقدر على التفاعل مع الآخرين ومعرفة عواطفهم وفك رموز أحاسيسهم .
• توصلت ريتا هاري من خلال التجارب التي أجرتها في يونيو 2003 إلى أن الخلايا العصبية المرآة تنشط أثناء عملية تقليد التثاؤب ، ولاحظت أن أعصاب الأخدود الصدغي- التي تنتمي إلى الأعصاب المرآة – تنشط عند ملاحظة تثاؤب الآخرين ، في حين أنها لا تنشط عند ملاحظة تعابير الوجه الأخرى ، وخلصت هذه الباحثة إلى أنه يحتمل أن تكون هذه الأعصاب هي المسؤولة عن ظاهرة التقليد.
الدكتور يوسف توفيق
اخصائي طب العائلة
مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث – جدة