--------------------------------------------------------------------------------
عندما يصبح موبايلك "جاسوسا" عليك!!
د. عمار بكار
واحد من أهم التطورات المتوقعة لهذا العام في تقنيات وخدمات شركات الاتصالات هو الخدمات المعتمدة على معرفة مكان جهاز الموبايل Location-based Mobile Services، وإذا كانت هذه الخدمات موجودة فعلا حيث يظهر اسم الحي على شاشة الموبايل، أو يمكن أن يعرف الإنسان المنطقة التي يوجد فيها صديقه في لحظة معينة، أو استخدام GPS بشكل موسع في بعض الأجهزة الحديثة، فإن هذه الخدمات ستزداد بشكل مطرد وسريع، وذلك لأن مصانع شرائح أجهزة الموبايل استطاعت تطوير الشرائح بحيث تقدم جودة أعلى لهذه الخدمات بسعر معقول جدا بالنسبة لشركات الاتصالات.
هناك تقنية شائعة تساعد شركات الاتصالات على معرفة مكان الشخص وهي معرفة أقرب ثلاثة أبراج بث لشبكات الموبايل إليك، وبعدها يقوم الكمبيوتر بحساب سريع يحدد مكانك بالتقريب بناء على ذلك، وبالطبع لو زادت عدد الأبراج الداخلة في المعادلة لزادت دقة الحساب، وإن كانت الدقة الحالية هي نحو 100 متر بالنسبة للمدن الكبرى في العالم العربي مع كثافة أبراج البث داخل هذه المدن. في حال وجود الـ GPS على شريحة الموبايل، تصبح الدقة أكبر بكثير حيث يعرف مكانك بالضبط (مقدار الخطأ المحتمل في تحديد المكان لا يزيد على مترين فقط).
الأفكار التجارية والخدمات التي يمكن أن تقدمها شركات الاتصالات بناء على هذه التكنولوجيا لا حد لها، وأشهرها معرفة مكانك عندما تضيع، أو معرفة الأماكن المهمة والمطاعم والأسواق القريبة منك، أو معرفة مكان صديقك أو ابنك عندما يلزم الأمر، والخدمات الخاصة بالسياح القادمين إلى مدينة معينة. هناك خدمات أخرى أقل شيوعا مثل وصول رسائل إعلانية على الجوّال حول الأماكن التجارية القريبة منك كلما دخلت منطقة معينة، أو أن يعرف المطعم أو التاكسي مكانك بالضبط ويصل إليك دون الحاجة لتقديم أي وصف إذا اتصلت من جوّالك.
لكن الأمر له بعده الآخر الذي يجعل كثيرا من المنظمات والجمعيات المهتمة بحقوق المستهلك تحارب هذا النوع من التكنولوجيا وهو فقدان "الخصوصية" لأن هذه التكنولوجيا ستسمح لشركات الاتصالات بمعرفة معلومة خاصة بكل شخص وهي حركته اليومية حول المدينة، والاستفادة من هذه المعلومات لأغراض إعلانية أو تسويقية أو حتى أغراض غير بريئة إذا وقعت المعلومات في يد الشخص الخطأ.
هذا القلق ليس محصورا في بعض البيانات الصحافية كما قد يظن البعض، بل إن هناك عدة مؤتمرات ضخمة تقام كل سنة بهذا الشأن، كما أن هناك مؤسسات قانونية دخلت بشكل رسمي في الصراع لأجل إيجاد قوانين أكثر صرامة للمحافظة على خصوصية مستخدمي أجهزة الجوّال.
بعض هذه الجمعيات قلقة أيضا من تحكم الشركات في حياة موظفيها، بعد أن حصلت قصة في نيويورك عندما قامت شركة بفصل أحد موظفيها لأنها وجدت من خلال هذه الخدمة الموجودة على جهازه أنه في نحو 25 في المائة من أيام السنة كان موجودا في بيته قبل انتهاء ساعات العمل.
بناء على ذلك تطالب هذه الجمعيات بأن يكون للشخص الحق في الموافقة قبل استخدام جواله بأي شكل كان لمعرفة مكانه، وهو أمر لم تدعمه حتى الآن المؤسسات الرسمية والتشريعية في معظم الدول إلا في أمريكا التي أصدرت قوانين في عام 2005م تتجاوب مع هذه المطالب، ولكن يبدو أن النقاش وصل من الحدة بحيث إن هذه القرارات قد تجد طريقها للظهور قريبا، إذا لم تبادر شركات الاتصالات نفسها وفعلت هذه الخاصية من تلقاء ذاتها لتفادي غضب مشتركيها.
بعض شركات الاتصالات تراهن على أن المشتركين لن يكونوا بهذه الحساسية، وصارت تقدم عددا من الخدمات المتقدمة بهذا الاتجاه، فمثلا في اليابان يمكن للمستخدم أن يشترك في خدمة تجعل مكانه يظهر مع رقم هاتفه عندما يتصل بأي شخص، بينما أقرت "جوجل" أنها تستخدم معلومات الأشخاص الذين يستخدمون خرائط جوجل في خدمات الـ GPS على الموبايل لمعرفة أنماط استخدام المشتركين دون أن يؤثر ذلك في شعبية خدماتها، لكن الأمر في العالم العربي قد يكون مختلفا مع حساسية المستخدم العربي بشكل عام مع قضايا الخصوصية لأن الشركات العربية ليس لها مصداقية واسعة بشأن حماية معلومات المستخدمين، وهذا قد يؤخر تطور هذه الخدمات بشكل سريع في العالم العربي.
بشكل عام، تطور تكنولوجيا الموبايل السريع وكونه جهازاً يحمله الإنسان دائما معه ويتضمن الكثير من أسراره سيحمّل شركات الاتصالات مسؤولية حماية هذه المعلومات وسيعطيها أيضا الفرصة للاستفادة التجارية منها، بينما سيشعر المستخدم أن حياته مملوكة لأشخاص آخرين قد لا يثق بهم، وهذا - في رأيي - سيمثل قضية صراع في السنوات المقبلة.
التكنولوجيا صارت جزءا أساسيا من حياتنا، ومن يملك التكنولوجيا يملك جزءا من حياتنا كذلك!
* نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية